فصل: تفسير الآيات (158- 159):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (151):

{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)}
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مّنْكُمْ} متصل بما قبله، أي ولأتم نعمتي عليكم في أمر القبلة، أو في الآخرة كما أتممتها بإرسال رسول منكم، أو بما بعده أي كما ذكرتكم بالإِرسال فاذكروني. {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آياتنا وَيُزَكِيكُمْ} يحملكم على ما تصيرون به أزكياء، قدمه باعتبار القصد وأخره في دعوة إبراهيم عليه السلام باعتبار الفعل {وَيُعَلّمُكُمُ الكتاب والحكمة وَيُعَلّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} بالفكر والنظر، إذ لا طريق إلى معرفته سوى الوحي، وكرر الفعل ليدل على أنه جنس آخر.

.تفسير الآية رقم (152):

{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}
{فاذكرونى} بالطاعة. {أَذْكُرْكُمْ} بالثواب. {واشكروا لِي} ما أنعمت به عليكم. {وَلاَ تَكْفُرُونِ} بجحد النعم وعصيان الأمر.

.تفسير الآيات (153- 154):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)}
{يَا أيهالذين ءامَنُواْ استعينوا بالصبر والصلاة} عن المعاصي وحظوظ النفس، {والصلاة} التي هي أم العبادات ومعراج المؤمنين، ومناجاة رب العالمين. {إِنَّ الله مَعَ الصابرين} بالنصر وإجابة الدعوة {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ في سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ} أي هم أموات {بَلْ أَحْيَاءٌ} أي بل هم أحياء. {وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} ما حالهم، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات، وإنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل وبالوحي، وعن الحسن: إن الشهداء أحياء عند ربهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدواً وعشياً فيصل إليهم الألم والوجع، والآية نزلت في شهداء بدر، وكانوا أربعة عشر، وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت داركة، وعليه جمهور الصحابة والتابعين، وبه نطقت الآيات والسنن، وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله تعالى، ومزيدة البهجة والكرامة.

.تفسير الآية رقم (155):

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)}
{وَلَنَبْلُوَنَّكُم} ولنصيبنكم إصابة من يختبر لأحوالكم، هلى تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء؟ {بِشَيْء مّنَ الخوف والجوع} أي بقليل من ذلك، وإنما قلله بالإضافة إلى ما وقاهم منه ليخفف عليهم، ويريهم أن رحمته لا تفارقهم، أو بالنسبة إلى ما يصيب به معانديهم في الآخرة، وإنما أخبرهم به قبل وقوعه ليوطنوا عليه نفوسهم {وَنَقْصٍ مّنَ الأموال والأنفس والثمرات} عطف شيء، أو الخوف، وعن الشافعي رضي الله عنه الخوف: خوف الله، والجوع: صوم رمضان، والنقص: من الأموال الصدقات والزكوات، ومن الأنفس: الأمراض، ومن: الثمرات موت الأولاد. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة: أقبضتم روح ولد عبدي؟ فيقولون نعم، فيقول الله: أقبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون نعم، فيقول الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ فيقولون حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنو لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد» {وَبَشّرِ الصابرين}.

.تفسير الآية رقم (156):

{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)}
{الذين إِذَا أصابتهم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لمن تتأتى منه البشارة. والمصيبة تعم ما يصيب الإِنسان من مكروه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة». وليس الصبر بالاسترجاع باللسان، بل به وبالقلب بأن يتصور ما خلق لأجله، وأنه راجع إلى ربه، ويتذكر نعم الله عليه ليرى أن ما بقي عليه أضعاف ما استرده منه فيهون على نفسه، ويستسلم له. والمبشر به محذوف دل عليه.

.تفسير الآية رقم (157):

{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}
{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوات مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ} الصلاة في الأصل الدعاء، ومن الله تعالى التزكية والمغفرة. وجمعها للتنبيه على كثرتها وتنوعها. والمراد بالرحمة اللطف والإِحسان. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من استرجع عند المصيبة، جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه» {وَأُولَئِكَ هُمُ المهتدون} للحق والصواب حيث استرجعوا وسلموا لقضاء الله تعالى.

.تفسير الآيات (158- 159):

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)}
{إِنَّ الصفا والمروة} هما علما جبلين بمكة. {مِن شَعَائِرِ الله} من أعلام مناسكه، جمع شعيرة وهي العلامة {فَمَنْ حَجَّ البيت أَوِ اعتمر} الحج لغة القصد، والاعتمار الزيارة. فغلبا شرعاً على قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين. {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} كان إساف على الصفا ونائلة على المروة، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما. فلما جاء الإِسلام وكسرت الأصنام تحرج المسلمون أن يطوفوا بينهما لذلك فنزلت. والإِجماع على أنه مشروع في الحج والعمرة، وإنما الخلاف في وجوبه. فعن أحمد أنه سنة، وبه قال أنس وابن عباس رضي الله عنهم لقوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} فإنه يفهم منه التخيير وهو ضعيف، لأن نفي الجناح يدل على الجواز الداخل في معنى الوجوب، فلا يدفعه. وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه واجب، يجبر بالدم. وعن مالك والشافعي رحمهما الله أنه ركن لقوله عليه الصلاة والسلام: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي». {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا} أي فعل طاعة فرضاً كان أو نفلاً، أو زاد على ما فرض الله عليه من حج أو عمرة، أو طواف أو تطوع بالسعي إن قلنا إنه سنة. و{خَيْرًا} نصب على أنه صفة مصدر محذوف، أو بحذف الجار وإيصال الفعل إليه، أو بتعدية الفعل لتضمنه معنى أتى أو فعل. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب، وأصله يتطوع فأدغم مثل يطوف {فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ} مثيب على الطاعة لا تخفى عليه.
{إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ} كأحبار اليهود. {مَآ أَنزَلْنَا مِنَ البينات} كالآيات الشاهدة على أمر محمد صلى الله عليه وسلم. {والهدى} وما يهدي إلى وجوب اتباعه والإِيمان به. {مِن بَعْدِ مَا بيناه لِلنَّاسِ} لخصناه. {فِى الكتاب} في التوراة. {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون} أي الذين يتأتى منهم اللعن عليهم من الملائكة والثقلين.

.تفسير الآية رقم (160):

{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}
{إِلاَّ الذين تَابُواْ} عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه {وَأَصْلَحُواْ} ما أفسدوا بالتدارك. {وَبَيَّنُواْ} ما بينه الله في كتابهم لتتم توبتهم. وقيل ما أحدثوه من التوبة ليمحوا به سمة الكفر عن أنفسهم ويقتدي بهم أضرابهم {فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} بالقبول والمغفرة. {وَأَنَا التواب الرحيم} المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة.

.تفسير الآية رقم (161):

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161)}
{إِن الذين كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} أي ومن لم يتب من الكاتمين حتى مات {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله والملئكة والناس أَجْمَعِينَ} استقر عليهم اللعن من الله، ومن يعتد بلعنه من خلقه. وقيل؛ الأول لعنهم أحياء، وهذا لعنهم أمواتاً. وقرئ و{الملائكةُ والناسُ أجمعون} عطفاً على محل اسم الله لأنه فاعل في المعنى، كقولك أعجبني ضرب زيدٍ وعمرو، أو فاعلاً لفعل مقدر نحو وتلعنهم الملائكة.

.تفسير الآية رقم (162):

{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)}
{خالدين فِيهَا} أي في اللعنة، أو النار. وإضمارها قبل الذكر تفخيماً لشأنها وتهويلاً، أو اكتفاء بدلالة اللعن عليه. {لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} أي لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.

.تفسير الآية رقم (163):

{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}
{وإلهكم إله واحد} خطاب عام، أي المستحق منكم العبادة واحد لا شريك له يصح أن يعبد أو يسمى إلهاً. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} تقرير للوحدانية، وإزاحة لأن يتوهم أن في الوجود إلهاً ولكن لا يستحق منهم العبادة. {الرحمن الرحيم} كالحجة عليها، فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها وفروعها وما سواه إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره، وهما خبران آخران لقوله إلهكم، أو لمبتدأ محذوف. قيل لما سمعه المشركون تعجبوا وقالوا: إن كنت صادقاً فائت بآية نعرف بها صدقكك فنزلت.

.تفسير الآية رقم (164):

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)}
{إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والأرض} إنما جمع السموات وأفرد الأرض، لأنها طبقات متفاصلة بالذات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين. {واختلاف اليل والنهار} تعاقبهما كقوله تعالى: {جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً} {والفلك التي تَجْرِى في البحر بِمَا يَنفَعُ الناس} أي ينفعهم، أو بالذي ينفعهم، والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله، وتخصيص {الفلك} بالذكر لأنه سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه، ولذلك قدمه على ذكر المطر والسحاب، لأن منشأهما البحر في غالب الأمر، وتأنيث {الفلك} لأنه بمعنى السفينة. وقرئ بضمتين على الأصل، أو الجمع وضمة الجمع غير ضمة الواحد عند المحققين. {وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ السماء مِن مَّاءٍ} من الأولى للإِبتداء، والثانية للبيان. والسماء يحتمل الفلك والسحاب وجهة العلو. {فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} بالنبات {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ} عطف على أنزل، كأنه استدل بنزول المطر وتكوين النبات به وبث الحيوانات في الأرض، أو على أحيا فإن الدواب ينمون بالخصب ويعيشون بالحياة. والبث النشر والتفريق. {وَتَصْرِيفِ الرياح} في مهابها وأحوالها، وقرأ حمزة والكسائي على الإِفراد. {والسحاب المسخر بَيْنَ السماء والأرض} لا ينزل ولا ينقشع، مع أن الطبع يقتضي أحدهما حتى يأتي أمر الله تعالى. وقيل: مسخر الرياح تقلبه في الجو بمشيئة الله تعالى، واشتقاقه من السحب لأن بعضه يجر بعضاً. {لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يتفكرون فيها وينظرون إليها بعيون عقولهم، وعنه صلى الله عليه وسلم: «ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها» أي لم يتفكر فيها.
واعلم أن دلالة هذه الآيات على وجود الإله ووحدته من وجوه كثيرة يطول شرحها مفصلاً، والكلام المجمل أنها: أمور ممكنة وجد كل منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة، وأنحاء مختلفة، إذ كان من الجائز مثلاً أن لا تتحرك السموات، أو بعضها كالأرض وأن تتحرك بعكس حركاتها، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارة بالقطبين، وأن لا يكون لها أوج وحضيض أصلاً، وعلى هذا الوجه لبساطتها وتساوي أجزائها، فلابد لها من موجد قادر حكيم، يوجدها على ما تستدعيه حكمته وتقتضيه مشيئته، متعالياً عن معارضة غيره. إذ لو كان معه إله يقدر على ما يقدر عليه الآخر. فإن توافقت إرادتهما: فالفعل إن كان لهما، لزم اجتماع مؤثرين على أثر واحد، وإن كان لأحدهما، لزم ترجيح الفاعل بلا مرجح وجز الآخر المنافي لآلهيته. وإن اختلفت: لزم التمانع والتطارد، كما أشار إليه بقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} وفي الآية تنبيه على شرف علم الكلام وأهله، وحث على البحث والنظر فيه.

.تفسير الآية رقم (165):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
{وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَادًا} من الأصنام. وقيل من الرؤساء الذين كانوا يطيعونهم لقوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا} ولعل المراد أعم منهما وهو ما يشغله عن الله {يُحِبُّونَهُمْ} يعظمونهم ويطيعونهم {كَحُبّ الله} كتعظيمه والميل إلى طاعته، أي يسوون بينه وبينهم في المحبة والطاعة، والمحبة: ميل القلب من الحب، استعير لحبة القلب، ثم اشتق منه الحب لأنه أصابها ورسخ فيها، ومحبة العبد لله تعالى إرادة طاعته والإِعتناء بتحصيل مراضيه، ومحبة الله للعبد إرادة إكرامه واستعماله في الطاعة، وصونه عن المعاصي. {والذين ءَامَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} لأنه لا تنقطع محبتهم لله تعالى، بخلاف محبة الأنداد فإنها لأغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب، ولذلك كانوا يعدلون عن آلهتهم إلى الله تعالى عند الشدائد، ويعبدون الصنم زماناً ثم يرفضونه إلى غيره.
{وَلَوْ يَرَى الذين ظَلَمُواْ} ولو يعلم هؤلاء الذين ظلموا باتخاذ الأنداد {إِذْ يَرَوْنَ العذاب} إِذ عاينوه يوم القيامة. وأجرى المستقبل مجرى الماضي لتحققه كقوله تعالى: {وَنَادَى أصحاب الجنة} {أَنَّ القوة لِلَّهِ جَمِيعًا} ساد مسد مفعولي {يرى}، وجواب {لَوْ} محذوف. أي لو يعلمون أن القوة لله جميعاً إِذا عاينوا العذاب لندموا أشد الندم. وقيل هو متعلق الجواب والمفعولان محذوفان، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع، لعلموا أن القوة لله كلها لا ينفع ولا يضر غيره. وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب: و{لو ترى} على أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي ولو ترى ذلك لرأيت أمراً عظيماً، وابن عامر: {إِذْ يَرَوْنَ} على البناء للمفعول، ويعقوب {إنٍ} بالكسر وكذا {وَأَنَّ الله شَدِيدُ العذاب} على الاستئناف، أو إضمار القول.